الخميس، 9 أبريل 2020

رسالة من سيدة عراقية إلى شعوب العالم

قصه من آلاف القصص اللتي مرة على العراقيين من قبل حكم اللعين صدام والبعثيين المجرمين والان البعض يترحم على اللعين صدام الذي كان يتلذذ بتعذيب الشرفاء من أبناء الشعب العراقي 😔 بعثي ... لم تتلطخ أياديه بدماء عائلتي ( ١٨ )

لقاء جلال
كنت في الصف الأول ( إبتدائية الدهانة للبنات ) تقع هذه المدرسة على مقربة من بيتنا ضمن الأحياء المحصورة بين شارعي الجمهورية والكفاح في وسط بغداد ، الطابع العام على أكثر هذه الأحياء هو معارضتهم للنظام البعثي السابق إضافة إلى أن اغلب سكان هذه المناطق ينتمون إلى القومية الكردية الفيلية الذين صنفهم النظام البائد على أنهم طابور خامس أي ( جواسيس ) إلى إيران .

في شتاء عام ١٩٨٥ كنت عائدة إلى البيت بعد إنتهاء دوامي في المدرسة بحدود الساعة الثانية عشر والنصف ظهراً ، كنت حينها في الصف الأول الإبتدائي ولما دخلت إلى البيت رأيت والدتي تلطم على جثة جدتي المتوفاة بعد تعرضها للسكتة القلبية عن عمر ناهز الثمانين ، أدهشني المظهر ولكن الذي زاد دهشتي هو وجود البعثيين ( بلباس الجيش الشعبي ) يحيطون بوالدي بعد أن قيدوا يديه والكل يوجه له لكمات بالدور وكأنهم يؤدون ما عليهم من واجب رسمي هو توجيه اللكمات إلى وجه والدي رحمه الله .

لم أستطع الخروج بصورة معينة واضحة المعالم مما شاهدته سوى موت جدتي الذي لم يغب عن ذهني بسبب تعلقي الشديد بها رحمها الله .
بعد هذا الموقف أُقتيد والدي إلى مصيره المجهول وأما جدتي فقد تكفل الحاج أبو حميد صاحب الدكان القريب من بيتنا وبعض الجيران بحملها والتوجه بها إلى مقبرة النجف الأشرف ، وبعد ذلك لم أتذكر سوى الصراخ والعويل ثم النوم في تلك الأجواء الغامضة .

في الصباح شاهدت نفسي في سجن مكتظ بالنساء والأطفال .
لا يمكن لي نسيان ليلى الفتاة التي مزق السجانون ملابسها أمام أعيننا جميعاً بمنظر مروّع لا يمكن أن يتحمله إنسان ، أعتذر للقارئ بأني لا أعرف بالضبط سبب هذا الحادث لأني لم أكن واعية لما يحيط بي بشكل يساعدني على الإحاطة الكاملة بالأحداث التي كانت تحدث أمامي .

في نفس هذا اليوم وبعد أن أسدل الليل ستاره نام الأطفال ولما أصبحنا وجدنا أنفسنا بمفردنا من دون الأمهات أو أي أحد من أهالينا .
في اليوم التالي نُقلنا نحن الأطفال بسيارات عسكرية محاطة بالحراس إلى مدرسة في مدينة تبعد عن بغداد قرابة العشرة ساعات ، حيث خرجنا من السجن قرابة الساعة الثامنة صباحاً بدلالة رؤيتي للتلاميذ من خلال نافذة السيارة وهم يتوجهون إلى المدارس ، وما وصلنا إلا والشمس تختفي خلف كثبان الرمال في منظر صحراوي موحش . 
كان عددنا ١٨ بنت ، حيث رقمنا بأرقام ، كان رقمي فيها ١٨ كُتِبَ على ورقة ألصقت بثوبي وكنت الأخيرة عندما يجرون التعداد ، وأما الأولاد فلم يكن على صدورهم أرقام إلا إني كنت أعدهم كلما سنحت لي الفرصة وكأن العدّ صار اللعبة التي كنت أتسلى بها ... فكانوا ( ٦ ) أولاد ذكور، أكبرنا سناً ربما كانت تكبرني بثلاث أو أربع أعوام .

عندما وصلنا إلى المدرسة وجدنا الأمور مهيأة لإستقبالنا حيث الأسِرة والفرش والأغطية والطعام والحلويات التي لم نراها ولم نتذوق مثلها في حياتنا ، كانت هناك فترات بكاء تصدر منا لكن سرعات ما تنتهي بصرخة أو ضربة على الوجه إن تطلب الأمر ذلك .

بقينا في هذا المكان قرابة الأربعة أيام ، كان يزورنا فيها كل صباح ضابط يحيطه الجميع بإحترام كبير ويؤدون له التحية والوقار .

في اليوم الرابع على ما أذكر جاء رجال بملابس عربية خليجية ، كانوا لطفاء جداً لكن فور دخولهم صار كل فريق منهم يحجز أربعة أو ثلاثة منا في جانب من جوانب القاعة .
بعدها حملونا في سياراتهم التي جاءوا بها ونقلونا إلى أماكن أخرى لم نعرفها إلى أن إستقر بيّ المطاف في منزل عائلة ثرية تعيش في إمارة الشارقة .

صرت إبنتهم وصاروا لي الأهل والأحباب لقاء أربعة آلاف دولار تسلمها السفير العراقي في دولة الإمارات آنذاك كما اخبرني أبي ( الإماراتي ) عشت بين عائلتي الإماراتية بكل حنان الأبوّة ولم يعوزني شيء سوى ذكرياتي بأمي ، وحكايات جدتي وحنانها .

وأما أبي فلا أذكر شيء عنه سوى إسمه الأول ( جلال ) وأمي التي كانوا يدعونها ( أم وصفي ) وأما الجيران فكانوا ... صاحب الدكان الحاج أبو حميد والسيدة أم دلال التي لطالما سرحّت لي شعري وصديقتي ميّ بنت أم شاكر . 

حاولت الإستفسار وجمع الأخبار من خلال علاقتي بالعراقيين المقيمين في دولة الإمارات إلا أن محاولاتي باءت بالفشل لأني لا أملك معلومات دقيقة عن أهلي أو الحي الذي كنت أعيش فيه .

إتصلت بالحركة الشعبية لإجتثاث البعث من خلال موقعهم الإلكتروني وشرحت لهم مشكلتي فقاموا مشكورين بالإتصال بيّ إلى أن تم اللقاء بهم في تركيا وبعد أن التقوا بعائلتي الإماراتية وإستفسروا منهم عن بعض التفاصيل ومن خلال سردي لبعض الأمور التي علقت بذاكرتي توصل الإخوان في الحركة الشعبية لإجتثاث البعث إلى موقع أهلي ( ما تبقى من أهلي ) وجلبوا لي بعض صوري التي أحتفظ بها أقاربي ومطابقتها بصوري الأولى التي إلتقطها لي أهلي ( الإماراتيين ) في الإمارات.

صار لديّ اليقين بأني بنت السيد جلال المتهم بإنتماءه إلى المعارضة العراقية ضد صدام حسين آنذاك والذي لا يعرف أقاربي مصيره ولا مصير أخي الذي فارقته في المدرسة التي ذكرتها آنفاً ، وأما أمي فقد توفيت بعد هذا المصاب بأربعة أشهر كما أخبرني أقاربي ( العراقيين ) .

هذه رسالتي لكم يا شعوب العالم .... 
فهل بعد هذا - حديث - عن العفو والسماح ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق