الجمعة، 10 أبريل 2020

البنت التي لم ترى والدها

كي لا ننسى 

            البنت التي لم ترى والدها
                أو تجد له قبرا 

في مطلع ثمانينات القرن الماضي شن النظام البعثي حملة جائرة لتهجير شريحة من العراقين الى ايران تحت مسمى التبعية الإيرانية .
 وكان ضمنهم عائلة كربلائية هجرت الى ايران واودع ابنهم المعلم استاذ علاء في سجن ابو غريب مع آلاف من أبناء المهجرين .
وقد ملئت السجون وكان استاذ علاء في غرفة ٥×٥ تضم ثلاثين شخصا وخصص لكل شخص مساحة أربعين سانت عند المنام ، وماذا تنفعه وهو شخص بدين وكيف يقضي الوقت في هذا المكان وهو من عائلة ميسورة مرفهة قضى حياته ببيت كبير وسيارته الجميلة التي كانت تبهر الجميع  .
وفي إحدى الليالي سمع السجناء استاذ علاء وهو يجهش بالبكاء بصوت مرتفع وهو يتألم ، نهض الجميع لتهدئته لكنه واصل البكاء ، وكان سبب بكاءه ذكر حاله السابق وكيف هو الآن ، وتذكر زوجته التي فارقها ولم يمضي على زواجه منها خمسون يوما فقط ، وهُجرت وهي حامل ، ولا يعلم ماذا يخبأه البعث له من نهاية 

ومرت الايام والسنون وعلاء في السجن من دون ان يرتكب اي ذنب سوى أنه متهم بالتبعية الإيرانية ، فلا النظام ألحقه باهله وزوجته ولا أطلق سراحه ليعيش لحاله .

كانت ترده اخبار سرية عند زيارة أقاربه له للسجن في أنه رزق ببنت اسموها نور حسب ما سماها وهي في بطن امها .
وبدأت المراسيل السرية توصل له صورها وهو يَتَحرق شوقا لرؤيتها وملاعبتها ، ولطالما كان يمني نفسه أن يصطحبها معه للتسوق والتنزه ويفرح معها بضحكتها ولعبها .
هناك كانت نور تكبر في العمر تسأل عن والدها فيقولون لها أنه مسافر وسيعود ، وظلت الطفلة بانتظار عودة ابيها وكانت تحكي ما تسمعه لصديقاتها عن أبيها وكأنه يعيش معهم ، وقد رسمت صورته في ذهنها من تلك الحكايا .
طال انتظار الأب والبنت تسأل والام تجيب بحيرة وهي تحبس دموعها عن بنتها وتبعد وجهها عن البت كي لا ترى دموعها وتكبت ما بداخلها من الم .
عاشت مع امها على أمل عودة الاب واستمر علاء في السجن يمني النفس برؤية عائلته ، أمه ابوه إخوته وزوجته التي لم يمضي معها بالزواج الا قليلا وطفلته نور التي لم يراها وتراه ، كيف وقد كبرت ودخلت المدرسة وكانت تدندن مع نفسها وتحدثه وكأنه حاضر معها .
لوعات متبادلة تأسر قلب الاثنين علاء وعائلته  وأماني لهما باللقاء والفرج .
واستمر الوضع على هذا المنوال وبدأت اخبار علاء تنقطع عن العائلة وانقطعت زيارات أقاربهم في العراق عنهم  لان السجناء نقلوا إلى مكان آخر ومُنعت الزيارة .
 ونور أصبحت شابه وبدأت تدرك الأمور بشكل كبير من خلال سماعها عويل الأمهات في المهجر  عن أبناءهم المحتجزين عند النظام البعثي واحست أن القضية عامة لا تختص بأبيها وشعرت أن عودت الاب أصبحت ضئيلة ولكن يبقى هناك امل تعيش عليه  ، وشاءت إرادة الله بزوال حكم الظالم ، فعادت نور الى العراق تسأل عن والدها ، فلم تجده فتبخرت الاحلام بلقاءه وقيل لها انه اختفى مع آلاف الضحايا الأبرياء في السجون الذي أجرى نظام صدام تجارب أسلحته الكيمياوية عليهم ، فكان وقع الخبر كالصاعقة عليها .
فتساءلت ببراءتها عن قبره لتزوره ، فقيل لها لا يوجد قبر ولا أثر له ، فاحتظنت امها باكية ليُسلما امرهما الى الله ويرضون بقضاءه.

هكذا انتهت الاحلام واحست البنت بطعم اليتم الحقيقي وغاب جسد علاء الذي كان يشكوا ضيق المكان .
رحمك الله ايها المظلوم ورحم اخوتك الشهداء  ولعن الله ظالميك البعثيين.
جاسم الخيبري 2019/ 5/25

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق