الخميس، 9 أبريل 2020

حكاية من الزمن القبيح

"  حكاية من الزمن القبيح  "
 جمعٌ من السجناء السياسيين خرجوا لمواجهة اهاليهم المواجهة الأولى  بعد أنْ منعوا لأكثر من ثمان سنوات فجلس كل نزيلٍ مع ذويه إلاّ ذلك الرجل العجوز  فقد وقف طويلاً يبحثُ عن إبنهِ في الوجوه المتعبة علّهُ يراهُ بعد أنْ أختطفتهُ منهُ عنوة أيادي الجلاوزة المجرمين في بداية عام ٨٠ وهو لم يزل في ميْعةِ الصِبا وباكورة الشباب ... غاص بفكره بعيداً وهو يرمق السماء بنظرةٍ حيرى وكأنهُ يعاتبُ نفسهُ خجلاً أيّ أبٍ لايستطيع أنْ يعرفَ ضناه هل هذا في علم الجينات معقولاً ؟ لطالما كنتُ مميّزاً بحدسي إذ كنت أميّز  أبناء أصدقائي القدامى من لون دمائهم وسحنة ملامحهم فكيف لا أقدر أن أشخّص ولدي من بين هؤلاء ؟ هكذا كانت تتصارع أفكاره على حلبات روحه وعقله !!!
وبعد طول ترقّبٍ وإنتظار جاءه إبنه  يمشي اليه على إستحياء ووقف قبالته وقد غزت بعض جيوش الشيب مفرق رأسه وكثف شاربه فوق شفتيه وأحتلّ الشعر الغزير فكّيه ولم يترك لملامح طفولته مساحة بمقدار بوصة واحدة ...
- سألهُ عمّن تبحثُ ياعم
- أجابهُ بصوتٍ أجشّ جريح عن ولدي وإسمه فلان بن فلان !!!
- ألم تتعرّف عليه بعد ..
- فأجاب لا فولدي حين تم إعتقاله كان عمره آنذاك ١٦ عاماً والآن مضى عليه  أكثر من ثمان سنوات ولاأعرف كيف أصبح شكله وملامحه ولون وجهه .. حقّاً والله لاأدري ماالذي فعلهُ به هؤلاء المجرمون وأشارَ الى جلاوزة الأمن الصدامي الذين وقفوا يرمقون النزلاء وعوائلهم بنظرات شزر حاقدة ويحصون عليهم حتى أنفاسهم ..
- ياعم إنظر جيداً في الوجوه فلربما تراه فولدك حتماً موجود هنا .. فأشاحَ بنظره مرةً أخرى وأخرى وبعد رحلةٍ قصيرة وكأنها الدهر كلّه إلتفتَ بعيون قلبه الى الواقف أمامه فقال باكياً لعلّهُ انتَ فلان !!.؟
فقال له - نعم ياأبي أنا هو فلان إبنك فهوى كلٌ منهم على يد الآخر ليقبّلها وليتعانقا جسد بجسد ودمعة بدمعة وروح بروح حتى أبكيا بعض جلاوزة الأمن القساة الواقفين بالقرب منهم ...
هذا ماحدث معي في جملون المواجهة في سجن( أبي غريب  ) قسم الأحكام الخاصة المغلق .. حيث تمر اليوم الذكرى السنوية الأربعون لإعتقالي في ٦ / ٤ / ١٩٨٠  بتهمة الإنتماء لحزب الدعوة الإسلامية وقد تم الحكم علي من قبل محكمة الثورة سيّئة الصيت يوم ١٥ / ١٢ / ١٩٨٠ بالسجن لمدة عشر سنوات ضمن المادة ( ١٥٦ ) حيث أكملت جميع فترة محكوميتي في سجن الخاصة المغلق  وتحديداً ق١ وق٢ والمحجر القسم الإنفرادي وبعد إنقضاء  فترة الحكم تم إطلاق سراحي بتأريخ ٧ / ٤ / ١٩٩٠ .. 
والحمد لله الذي أراني قبل موتي نهاية العتل الزنيم هدام العراق ليكون آيةً لمن خلفه من العتاة والمارقين وماذلك على الله بعزيز ... 
جعفر عيدان الواسطي  ... 
٦ / ٤ / ٢٠٢٠ .. الكوت 
.....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق