كي لا ننسى
كريم الهندي
شاب من مدينة الكوت لقب بالهندي لان بشرته سمراء وهو من مواليد ١٩٥٨ من عائلة متوسطة الحال لاب يعمل بتصليح الدراجات الهوائية ، خطب بنت عمته ليكمل نصف دينه ويبني مشروع حياته .
داهم النظام البعثي بيتهم لانهم اكراد فيلية ويعتبرهم النظام من التبعية الايرانية ، ليأخذ العائلة ويهجرها الى ايران ، وكان قرارهم بحجز الشباب وايداعهم السجون وعدم تهجيرهم مع اهلهم .
فارق عائلته بحسرة وألم وبكاء ، زج به في السجون وهجرت امه وابيه واخيه الذي يصغره بخمسة اعوام
لتستقر بعد الخروج في مخيم اللاجئين في احدى مدن ايران .
دارت السنين على كريم وكل أمله ان يأتي يوم ويرى اهله ويكمل زواجه ، فقام بتَعلم حياكة المنمنمات في السجن ويضع العلامات بها تأريخ الصناعة .
شوقه لاهله وحزنه عليهم دعاه لمزاولة هذه الحرفة لقتل الوقت والابتعاد عن اجواء الذكريات المؤلمة عن الاهل ، تراوده الامال ان يكون يوما حرا طليقا ويحدث ابناءه وعائلته عن نشاطه في السجن وابداعاته في صناعة المنمنمات .
تعامل مع الشباب السجناء كأنهم اهله واخوته فكان يسعى جاهدا لخدمتهم ويشترك في توزيع الطعام عليهم ، خفف عن الشباب السجناء هم الفراق فكان كثير التبسم في وجوههم والمزاح معهم ، لعلمه انهم مكبوتين ألما وشوقا لاهلهم الذين فرق النظام القمعي بينهم .
كان يستبدل البكاء والحزن بالضحكة والابتسامه ، انهم آلاف الشباب الممنوعين من الالتحاق بعوائلهم ، فقد كسر بسلوكه اصوات البكاء والانين في السجن بالكلمة الطيبة الحنونه .
لا يعلم عن اهله في ايران شيئا ولا هم يعلمون ، فلا اتصال ولا مراسيل ، وهو لا يعلم بوفاة ابيه ولا شيأ عن خطيبته هل بقيت تنتظره ام لا بعدما هجرها النظام ..
هذا الفراق وألم التهجير ، حرك اخيه الاصغر
للثأر له والتحق بقوات المعارضة العراقية ، فهو لم يستطع تحمل البقاء وحيد مع امه بعد وفاة ابيه .
وفي احدى المواجهات مع ازلام النظام الصدام استشهد وبقيت جثته بعيدة داخل الاراضي العراقية .
كان حال امه مؤلما لانها بقيت لوحدها بلا اهل ولا ابناء
فقام احدى الاخيار المتزوج من اخت خطيبة كريم ليجمعها مع زوجته وخطيبة كريم في بيته .
بعد سبعة سنوات جيء بجثة اخيه الشهيد ، فهام قلب الام اليه وعادت الذكريات معها ، واصرت الا ان ترى ابنها ، ورفضت كل الدعوات بمنعها من مشاهدة عظام فقط ، لانها سوف تتألم اكثر .
ذهبت مع خطيبة ابنها واختها لمشاهدة الجثة
فُتحت الجنازة لها فأنصدمن من منظر عظام ابنها ، ارادت ان تشفي حنانها ولو بأثر منه ولكنها غفلت عن النتيجة ..... قمن بالصراخ والعويل وهرولت كل واحدة منهم بأتجاه بدون وعي ، اعيدة الجنازة للدفن واطبق الصمت والحزن ليلف الدار فلا واحدة منهن تنطق او يروق لها الحديث فالجدار يتحدث وهن لا ينبسن ببنت شفه .
كانت الصدمة قوية فأصبن بالرعاش الذي لازمهن بقية حياتهن ، وقد زاد العبأ على الرجل الذي تكفل رعايتهن حتى سقط النظام البعثي وكان الامل يحدوها برؤية ابنها الكبير والوحيد الباقي لها بعد وفاة الاب واستشهاد الابن الاخر ، والخطيبة زادها الشوق لتكملة مشوار حياتها بالزواج بعد طول انتظار لمد ٢٤ عام .
بعد البحث والسؤال عن المحتجزين السجناء الشباب ، فلا يوجد أثر بل كل الاخبار التي تسمع تتحدث عن قتلهم بشكل جماعي مروع منهم قال انه دفع بهم للسير على الالغام لتنفجر بهم ولكن الرواية الارجح والتي اخذت مجرى المسلمات ان المجرم صدام قد امر بتجربة الاسلحة الكيميائية عليهم على شكل وجبات واخفاء اثرهم ، فأنقطع الأمل واغلقت كل ابواب اللقاء بالابن .
صادف يوما ان التقى شخص بأحد السجناء وقد افرج عنه لان اهله لم يهجروا وحدثه عن كريم ، فقال اعرفه واعطاني امانة كي اوصلها الى اهله ان صادف لقائهم وكأن الموت انطقه انه سوف لن يرى اهله ، فسلم الامانة وكانت مجموعة منمنمات قد عملها في السجن وكتب اسمه عليها وسنة العمل مع بعض العملة معدنية التي كانت متداولة .
فأخذها واخبر الشخص المتكفل بالعائلة فسلمها له ، وكانت المفاجئة ان راعي العائلة ان انهار فور ما استلم الامانة انتفخت شفتاه وانهمرت عينه بالدمع على خديه وكأن انبوب ماء قد انفتح ، ولم يستطع ان ينطق الا تمتمات غير مفهومة وفهم منه بصعوبة قوله ، كيف سأعطيها لامه وخطيبته ؟ وكيف افاجئهم ؟ انا البعيد عنهم لم احتمل
فكيف بهن .
ذهب وهو حائر وعاد باليوم الثاني ليُحدث ناقل الامانة ويعاتبه ويقول له ماذا فعلت وقد اعدت للبيت الحزن وكأنه اعدم اليوم ، فذهبت امه تنوح وخطيبته تبكي واختها تأن ، فكل واحدة انزوت في ركن من البيت تفرغ همومها بالبكاء ، حتى ان احداهن ذهبت الى السطح لتناجي ربها بحرقة وبكاء وتبث همومها وما حل بهم .
كان صوت الام هو المميز بينهن فكادت العبرات تقتلها لكبر سنها وصعوبة خروج صوتها الشجي لا يكاد يفهم منه الا يمه يمه بعتاب لابنها ...
فكانت صورة مشابهة لاكثر من عشرين الف بيت قتل ابناءها غدرا بالاسلحة الكيميائية بلا بسبب الا سبب واحد وهو انهم من قومية مغايرة لقومية الطاغية واضاف لها انتمائهم المذهبي الذي اعتبره اخطر من الاول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق