يقول حردان التكريتي في مذكراته ص٤٤ ما نصه:(ولو اني سئلت عن اسباب انقلاب ١٧ تموز وانقلاب ٣٠ تموز لما ترددت في الاشارة الى واشنطن جوابا عن السؤال الاول والى بريطانيا جوابا عن السؤال الثاني فقد اعلن الرئيس السابق عبد الرحمن عارف قبل انقلابنا بشهرين عن تعديل في اتفاقيات النفط لصالح شركة ايراب الفرنسية وقد طلبني ابو (هيثم)عشية اعلان الحكومة عن هذا التعديل وشرح لي اهمية هذا الاعلان وآثاره السيئة على علاقات كل من العراق-بريطانيا والعراق-امريكا وذكر ان علينا ان نستغل هذا الوضع الجديد للقيام بعمل ما وجرت بعد ذلك اتصالات بيننا وبين صدام الذي كان آنذاك في بيروت ، واخبرناه بضرورة إقامة حوار عاجل بينه وبين السفارة الامريكية ، واخبرنا صدام ان الحكومتين ابدتا استعدادهما للتعاون الى اقصى حد بشرطين:
الاول: ان نقدم لهما تعهدا خطيا بالعمل وفقا لما يرسمونه لنا .
الثاني:ان نبرهن على قوتنا في الداخل ، ووافقنا على الشروط وبعد ثلاثة ايام جاءنا من السفارة الامريكية من يقول:(ان علينا ان نتعاون مع عبد الرزاق النايف ، والتقينا به واتفقنا معه على كل شيء)) .
هذا الاعتراف يأتي من قبل شخصية بارزة جدا في حزب البعث ووزير دفاعه ويستمر حردان التكريتي في مذكراته ص٤٦ ليقول: (ولم تمر ستة ايام على الانقلاب حتى اتصلت بنا السفارة البريطانية في بغداد بشكل سري وذكرت ضرورة الاستمرار في السياسة التي اعلنها عبد الرزاق النايف بصفته رئيسا للوزراء في مؤتمره الصحفي الاول ، الذي عقد اثناء رئاسته للوزراء ، وذكرت لنا السفارة: انها مستعدة للتعاون معنا الى ابعد حد لاسقاط عبد الرزاق النايف واصدقائه ، وإعطاء حزب البعث الذي كنا ننتمي اليه سلطات مطلقة على العراق ) .
وهكذا تحولت السفارة البريطانية الى حام للعراق وصدام حسين الى متعاون وسخ لبيع العراق الى الاستعمار البريطاني.
هذا اعتراف خطير من احد وجوه وقادة انقلاب ١٧تموز وانقلاب٣٠تموز اذ كان يشغل منصب وزير دفاع في حكومة الانقلاب ثم نائب لرئيس الوزراء قبل إقصاءه بعد ذلك .
وصل حزب البعث الى السلطة ونفذ الانقلاب الاول والانقلاب الثاني عندما دخلت مجموعة من الحزب على عبد الرزاق النايف وشهرت السلاح في وجهه ، واجبروه ان يغادر العراق الى المغرب العربي وكان صدام من جملة هذه المجموعة .
حاول صدام في بداية حكمه وبعد اقصاء عبد الرزاق النايف وابراهيم الداوود ان يتعاون مع قريبه وزوج خالته احمد حسن البكر واتفق الطرفان على برنامج سري فيما بينهما فقد احس صدام بانه بحاجة الى البكر لمواجهة الاخطار التي تهدد برنامجه ومخططه وفي مواجهة تهديدات كبرى لمراكز القرار والتأثير في داخل حزب البعث فقيادات البعث لها دور وتأثير كبير مثل حردان التكريتي وصالح مهدي عماش الذين لهم نفوذ قوي داخل الحزب وفي بغداد وتكريت ، وكذلك قيادات مثل عبد الخالق السامرائي وعبد الله سلوم السامرائي اضافة الى تيارات اخرى ، وتيارات مؤيدة للخط السوري ، فهذه هي المحطة الاولة من بين محطات جديدة امامه ينوي الانتقال اليها.
لذلك بادر هذا الطاغية وبإدراك العارف الخبير وبحنكة المخادع الماكر والانسان القادر علة التعايش والتعاون مع المتناقضات فقد اختار لنفسه مهمات قد تبدو بسيطة في ظاهرها الا انها يمكن ان تكون حساسة جدا ومؤثرة اذا ما أجيد استعمالها واستغلالها والتحكم بها ، فهو استعمل لغة التواضع والبساطة مع الآخرين رغم ما يحمله من حقد تجاههم ولا يهمه ان يتعامل مع الآخرين من جهة التذلل وحدث ذلك عدة مرات عندما كان يزور القيادات التحتية ، مثلا زيارته لسعدون غيدان عندما كان سعدون قائد القوات في بغداد ، لا يبالي صدام ان جلس على كرسي بعيدا عن الطاولة التي يجلس خلفها سعدون غيدان وكذلك مع اي مسؤول قيادي ولم يتظاهر بشيء امامهم اطلاقا ، وكان يعتمد على نفسه في قيادة سيارته والتنقل لوحده أو اصطحاب افراد عائلته في زيارة او نزهة الا ان اصابعه كانت تتحرك على ازرار اغلب المؤسسات الرسمية والحزبية المهمة.
كان يؤسس وبهدوء شبكة عريضة موالية ومخلصة له من بين شقاوات الحارات والملاهي ومحترفي الاجرام والفاشلين في الحياة والذين كانت له معرفة وعلاقة بهم وصداقة قديمة .
وكان البكر هو الحلقة الاخيرة من برنامجه طويل الامد!! والمتعدد الفقرات في خطة جلوسه على العرش والانفراد بالسلطة وقد اعتمد في بداية المطاف على اخيه غير الشقيق برزان التكريتي رغم كونه صغير السن وضعيف الامكانات ، وتحويل المهمات الخطيرة له فجعله ساعده الايمن ، فالمهمات الموكلة اليه والى الجهاز لم تكن تتطلب الكثير من المعرفة والمهرة والكفاءة بالمقارنة مع روح الشر والاجرام .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق