السبت، 14 مارس 2020

الحروب الجرثومية و ابادة الهنود الحمر

الحروب الجرثومية واِبادة الهنود الحمر

الشاعر أحمد مطر 


بُنيَت أمريكا على دماء وعظام وأراضي وأملاك أكثر من 100 مليون قتيل ومعذب من الهنود الحمر - سكان أمريكا الأصليين - وحتى يومنا هذا لا تزال المطبوعات الأمريكية تحاول إيهام الجميع بأن الفضل في إعمار أمريكا يعود إلى المستوطنين البيض. لكن الواقع أن أغلب الأراضي كانت تستثمر من قبل الهنود الحمر أنفسهم حتى قبل قدوم البيض ، أما البيض فقد قاموا بدَور المحتلين واللصوص وقطاع الطرق ، الذين بنوا رفاهيتهم على دماء ومعاناة عشرات الملايين من الهنود الحمر والعبيد.
يُقدر عدد الهنود الذين ابادتهم أمريكا ب 18.5 مليونًا. 
وصفت أمريكا هذه الإبادات بأنها أضرار هامشية لنشر الحضارة وخاضت أمريكا في إبادة كل هؤلاء البشر وفق المعلوم والموثق 93 حرباً جرثومية شاملة وتفصيل هذه الحروب أوردها الكاتب الأمريكي "هنري دوبينز" في كتابه "أرقامهم التي هزلت" في الجزء الخاص بأنواع الحروب الجرثومية التي أبيد بها الهنود الحمر
 بـ 41 حرباً بالجدري ، 
و4 بالطاعون ،
 17 بالحصبة ،
 و10 بالأنفلونزا ،
 و25 بالسل والديفتيريا والتيفوس والكوليرا ،
 وقد كان لهذه الحروب الجرثومية آثاراً وبائية شاملة اجتاحت المنطقة من فلوريدا في  الجنوب الشرقي إلى أرغون في الشمال الغربي ، بل إن جماعات وشعوب وصلتها الأوبئة أبيدت بها قبل أن ترى وجه الإنسان الأمريكي الأبيض.
ووصل الأمر إلى تباهي الأمريكان بهذه الوحشية والدمويّة فها هو وليم برادفورد حاكم مستعمرة بليتموت يقول: « إن نشر هذه الأوبئة بين الهنود عمل يُدخل السرور والبهجة على قلب الله ، ويفرحه أن تزور هؤلاء الهنود وأنت تحمل إليهم الأمراض والموت ، وهكذا يموت 950 هندي من كل ألف ، وينتن بعضهم فوق الأرض دون أن يجد مَن يدفنهُ إنه على المؤمنين أن يشكروا الله على فضلهِ هذا ونعمته». 

في عام  1633م كان هنود النارغنستس قد تعرّضوا لحرب بالجدري حيث قدَّم إليهم الأمريكان هدايا مسمومة بجراثيم الجدري وعندما أقام الهنود محاكمة للكابتن "جون أولدام" بتهمة القتل الجماعي وأعدموه ، انتقمت أمريكا بإبادة هنود النارغنستس عام 1637م بحرب الجراثيم.
وفي عام 1636م تظهر أول وثيقة تثبت استخدام الأمريكان للسلاح الجرثومي عمداً ، وقد كتب القائد الإنجليزي العام اللورد "جفري أمهرست" إلى هنري بواكيه "يطلب منه أن يجري مفاوضات مع الهنود ويقدّم لهم بطانيات مسمومة بالجدري وأجاب بواكيه: (سأحاول جاهداً أن أسممهُم ببعض الأغطية الملوثة التي سأهديهم بها وسآخذ الإحتياطات اللازمة حتى لا أصاب بالمرض).
بسبب البطاطين والمناديل التي تم تلويثها بالجدري انتشر الوباء بين أربعة شعوب هندية (الأوتاوا - ينيغو - والمايامى الينى - وناييه) وأتى على أكثر من مائة ألف طفل وشيخ وامرأة وشاب ، ولطالما وصفت وثيقة (أمهرست) بأنها "حجر رشيد" الحرب الجرثومية ، 
وهناك وثيقة تتحدث عن إهداء أغطية مسمومة بالجدري لهنود "المندان" في فورك كلارك وقد نقلت هذه الأغطية إلى ضحاياها في 20 حزيران يونيو 1837م من حجِر عسكري لمرض الجدري في سان لويس على متن قارب اسمه "القديس بطرس" فحصدت كذلك في أقل من سنة واحدة (مائة ألف طفل وشيخ وامرأة وشاب ) وبعد حوالي 15 سنة كانت كل الولايات المتحدة تتساءل عن أفضل وسيلة للقضاء على هنود كاليفورنيا ، فمع الإستيلاء على هذه الولاية الواسعة من المكسيك وجدت أمريكا نفسها أمام مهمة جديدة وصفتها إحدى صحف سان فرانسيسكو كما يلي: « إن الهنود هنا جاهزون للذبح وللقتل بالبنادق أو بالجدري. وهذا ما يتم الآن فعلاً » .  كان تسميم الهنود بجراثيم الجدري خطة منظمة تمارسها الدول وبعض الشركات التجارية المختصة ، ويتسلى بها المستوطنون في حفلات تسلية وُصِفَتْ : "بأنها تستخدم الجراثيم من أجل الإبادة المطلقة لهذا الجنس اللعين" .
بعد تلك الفترة ونظراً لحاجة الأمريكان للأيدي العاملة بنظام السخرة لاستغلال الثروات التي ورثوها عن الهنود عدلوا عن جزء من  إستراتيجيتهم في القتل  بالإبادة عن طريق نظام السخرة للهنود. 
ففي عام 1846م احتلت جيوش الأمريكان كاليفورنيا وتقول الإحصائيات أنهم تمكنوا من إبادة 80 % من هنود كاليفورنيا بالسخرة حيث نشط بجانب ذلك التجارة بالأطفال والنساء. 
وفي عام 1830م سن الكونجرس الأمريكي قانون ترحيل الهنود قسراً وأصبح من حق المستعمر الأمريكي أن يطرد الهندي من أرضه ويقتله إذا أراد ، ويومها حصدت قوات الجيش النظامي الأمريكي مَن لم يمُت من (5) شعوبٍ هندية كاملة (الشيروكي - والشوكتو - والشيسكومسو - والكريك - والسيميتول) بعد تهجيرهم قسراً إلى مناطق موبوءة بالكوليرا.
وفي حملة 1776م على هنود الشيروكي تم إحراق المدن الهندية وأتلفت المحاصيل الزراعية ومن بقي من هنود الشيروكي هجروا إلى الغابات ليقتلوا ،
ولم تمض ثلاث سنوات حتى أصدر جورج واشنطن أوامره للجنود بأن يحيلوا مساكن هنود الأوروكو إلى خراب ومحوها من على وجه الأرض ، ولذلك أطلق هنود السينيكا على أبي الجمهورية الأمريكية "جورج واشنطن"إسم "هدام المدن"
 فبموجب أوامره تم تدمير 28 مدينة من أصل 30 مدينة كاملة لهنود السينيكا وحدهم من البحيرات الكبرى شمالاً وحتى نهر الموهوك وفي فترة قياسية لا تزيد عن خمس سنوات ، وهذا ما تم أيضاً بمدن الموهوك ، والأنونداغا ، والكايوغا ، حتى أن أحد زعماء الأروكوا قال لجورج واشنطن ذات لقاء في عام 1792م (عندما يُذكر اسمك تلتفت نساؤنا وراءهن مذعورات وتشحب وجوههن ، أما أطفالنا فإنهم يتلببون بأعناق أمهاتهم من الخوف). 
ومضى الآباء المؤسسون جميعاً على خطى "جورج واشنطن" فحتى "توماس جيفرسون" المُلقب برسول الحرية الأمريكية وكاتب وثيقة استقلالها ، أمر وزير دفاعه بأن يواجه الهنود الذين يواجهون التوسع الأمريكي بالبلطة وأن لا يضع هذه البلطة حتى يفنيهم فقال له: 
"نعم إنهم قد يقتلون أفراداً منَّا ، ولكننا سنفنيهم ونمحو آثارهم من الأرض".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق