عام 1869م وصل الرحالة الإسباني أدولفو ريفادينيرا الى العراق وعن رحلته من البصرة الى زاخو كتب يقول:
في منطقة القرنة،البصرة كان الناس يعيشون حياة بدائية في أكواخ كبيرة من القصب، وإذا لمحوا سفينة بخارية، «يبدأ الرجال والنساء والأطفال بإطلاق صرخات مرعبة طالبين منها التوقف، ويرمي لهم المسافرون تفاحًا، فيخلعون أسمالهم، ويسبحون عراة وراء الثمار». !
وكانوا يطلقون النار أحيانًا ليجبروها على التوقف. وفي مواسم الحصاد، تكثر السرقات بسبب ما يعانونه من فقر وبؤس.
ومثلهم، البدو، بين بغداد ودمشق؛ إذ يقوم البدو في كثير من الأحيان بسلب القوافل والمسافرين، يقول ريفادينيرا عن البدوي: «إنّه مشاعي بامتياز، ولا يستطيع أن يفهم كيف ولماذا يملك آخرون ما لا يملكه؛ فيدنو ممن هو ليس من قومه، ويطلب منه ما يحمله، ويتركه عاريًا، ثم يشير له بإصبعه إلى جهة الطريق التي عليه إتباعها، ويودعه بتهذيب. فإذا ما قاوم، تُطلب مقابله فدية، وريثما تصل الفدية، يدفنون الأسير في الرمل حتى نحره»، والبدوي لا يقتل إلا في الحرب، ولذا لا يقتلون من يسلبونهم، بل يدعونهم بسلام ويدلونهم على الطريق.
ويصف حالة البؤس في دلّي عباس في ديالى التي وصلها ليلًا: «كانت هناك اثنتا عشرة خيمة بدوية مقرفة، وكان ينام فيها معًا، على الأرض، رجال ونساء وأطفال ودجاج».
ومن الطرائف المؤلمة التي يرويها عن منطقة كفري التي كانت وكرًا للصوص: «سمعت مناديًا يعرض بارة مقابل صبي تائه، وبارتين اثنتين مقابل بغل ضاع للتو؛ لم أستطع فهم ذلك التثمين الذي بدا لي مستهجنًا، فطلبت تفسيرًا من المنادي؛ فقال إن البغل ينفع في بعض الأعمال بينما لا ينفع الطفل في شيء، ومن المؤكد أنهم سيجيئون بهذا قبل ذاك».
وفي أربيل نزل ريفادينيرا في بيت ابن عم لدليله، ويصف البيت: «يتألف من فناء، يغص بكل أنواع الحيوانات الداجنة، ومن حجرة من الخشب والروث، تستخدم في الوقت نفسه كغرفة جلوس، وطعام، ومطبخ، وغرفة نوم، الخ. وهناك كانت تتكوم الأسرة كلها؛ الزوج، والمرأة، وخمسة صبيان وثلاث جاريات، فضلًا عن الأقارب والأصدقاء الذين يقضون معهم أوقات الفراغ في التدخين».
وبسبب فقرهم، وحاجتهم إلى الذكور كأيدي عاملة، فإنهم يفرحون ويتباهون بإنجاب الذكور، ويشعرون بالخيبة والحزن والعار وتراكم الهموم إذا كان المولود أنثى.
وفي ثنايا رحلته، يصف ريفادينيرا العراقيين الذين التقاهم في أثناء رحلته بأنهم يكرمون الضيف، ويقدرونه يقول: «خرجت من كركوك، يرافقني عشرة أشخاص من عشيرة كنت تعرفت إليهم هناك، وعندما ودعوني خارج المدينة، عانقوني بعاطفة متدفقة كما لو أنهم يعرفونني منذ الأزل»
ويستنتج القارئ مما أوردناه من أمثلة عدم اكتراث السلطات واهتمامها وقيامها بواجبها تجاه المواطنين، وإنعدام الأمن في كثير من المناطق، وشيوع الفقر والفاقة والسرقة والسلب والاستغلال، ويقتصر الازدهار النسبي على مناطق محدودة جدًا، بينما يعيش بقية الناس في الظلام والوحل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق