يوم الشهيد الفيلي ٤/٤
اختيار اليوم الرابع من الشهر الرابع يوما للشهيد الكردي الفيلي هو يوم له دلالاته الكبيرة يذكرنا بتأريخ مجزة انسانية بشعة لم يَعرفها الا المكتوي بنارها او قريبا منهم
ولتعريف الاخرين بها :
نقول
انها بداية التهجرير القسري الذي تعرض له الكرد الفيلية في بدايات الشهر الرابع من عام ١٩٨٠ وبها حصلت المجاز البشعة التي ارتكبها النظام البعثي ضدهم لتكون البصمة الابشع في سجله الاجرامي وما اكثرها ...
وكل ما كُتب عن تلك المأساة فهو قليل ولم يغطي حجم الجريمة التي انتهت بأختفاء اثنان وعشرون الف شهيد بلا اثر ولا قبر لهم يزار ...
فضلا عن الشهداء الذي سقطوا في طرق التهجير من التعب وانفجارات الالغام .
لقد شهدت تلك الحملة صور كثيرة قاسية لم يعرف عنها الكثير من العراقيين ..
منها
(1) ابن يُنتزع من وسط اهله ليودع السجن تحت عنوان الحجز والايداع في السجن خوفا من يصبح يوما معاديا لنظامهم ويحفل ذلك المشهد بصراخ الام وعويلها وتمسك الابن بأذيال امه لتبقيه معها يرحل معهم الى ارض الله الواسعة ...
فما بالك بأمهات كثيرات سلب رجال الامن منهن اثنان وثلاث من ابناءهن واُخر جردوها عن كل ابناءها او نصفهم ...
(2) طفل لم يبلغ الحلم يفصل عن اهله ويودع السجن وهو الذي لم يفارق والديه يوما فيصاب بالصدمة وهو يودع اهله بالدموع والحزن لفقده امه وابيه وهو لم يفارقهم يوما فيحتضنه اخوته السجناء يصبروه ويتصابروا به لفقدهم اخوتهم الصغار ..... مقاطع حزن متبادلة بين الابناء واهلهم رسمت حياة اكثر العوائل المهجرة
(3) شابة راقدة في المستشفى يدخل رجال البعث فيسحبوا عنها كل المغذيات والعلاجات لتموت بعد ساعتين وتدفن على عجل ويهجروا اهلا فورا بلا تأخير ...
(4) ام تنسى طفلها الرضيع في المهد من الهول والصدمة لدخول رجال الامن المفاجيء على عائلتها لتهجيرهم ، وما انتبهت لنفسها وعلمت ببقاء طفلها في مهده بالبيت الا بعد ساعات فتوسلت بأزلام البعث لأنقاذه والمسارعة بإرضاعه ...
لكن .... قوبلت توسلتها بالزجر والقهقهة .
وبعد اشهر تم فتح البيت من قبل الحكومة لاخلائه وسلب ممتلكاته وجدوا هيكلا عظميا يتوسط المهد ...
(5) صورا كثيرة لاشلاء مقطعة على الحدود الايرانية العراقية في اماكن التهجير لعوائل اجبرها النظام البعثي لعبور تلك الطرق الملغمة للوصول للجانب الاخر ...
فحلقت ارواحها بعد دقائق من دخول حقول الالغام وتطايرت اشلاء اجسادهم في الهواء ...
(6) ام تلد في الحدود وقد حجزوا زوجها واهلها في السجون ليعدمهم بلا رحمة وتتشتت العائلة ...
(7) صراخ واستغاثة تقطع صمت الجبال في الحدود من العوائل الملقى بهم هناك نتيجة تعرضهن لهجوم قطاع الطرق ليسلبوا ما بقي معهم من حلي اخفوها عن ازلام البعث ويعتدوا على بعض النساء ....
كل ذلك جرى بإتفاق بين حكومة البعث وتلك العصابات
(8) حلقات نسوية بكائية في الطرف الثاني من الحدود العراقية لامهات اخذت حكومة البعث ابناءها وكل واحدة تعد اسماء اولادها وتنوح عليهم ..
(9) تجمعات مماثلة للرجال وهم يكتمون لوعتهم بين الحزن على اولادهم وخوفهم من جنون زوجاتهم من الصدمة ، وكل واحد منهم يُصبر الاخر بالامل المجهول
(10) حلقة لمجانين تتوسط مخيمات المهجرين يتكلمون بلا ضوابط فقد اصابتهم صدمة التهجير وتقطيع اوصال عوائلهم الى فقدان عقولهم ....
(11) اصوات حزينة تطرق مسامعك ليلا ونهارا لأمهات ثكلا بأبناءها تقطع القلب ، وانت تتجول بين خيام معسكر المهجرين ..
(12) إمرأة تنوح هنا ورجل يصدح بموالات الحزن في اخرى وشباب يأنون بخفية لا يصلك منها الا اصوات مخنوقة تعزف موسيقى حزينة وكانها تريد مفارقة الحياة ، تتسمر بمكانك فلا تتمكن من حبس دموعك وخنق مشاعرك وان كنت رجلا صلبا غريبا عنهم ...
(13) امرأة تهرول بلا وعي فقدت عقلها ورجل يعبث بالتراب ليرسم ما اختزنه في عقله الباطن بعدما اصبح مجنونا ...
اذا اردنا ان نعدد صور المأساة لوجدنا منها الكثير
لم تصورها كامرات الاعلام المغيب المأجور .
تكررت تلك الصور بعد سقوط الصنم صدام ولكن بشكل اخر .....
وهي كثيرة محورها البحث في آثار الجريمة ونتائجها ...
كان ساحتها المقابر الجماعية في البحث بين العظام وبقايا شهداء المقابر الجماعية بعد ان يأسوا من التجوال في السجون السرية والعلنية
تستوقفك هنا مشاهد كثيرة
(١) عجوز ضعف جسدها وبصرها تتوسل بالشباب لايجاد خبر عن ابنها المغيب ....
(٢) شيخ كبير يتعثر بحثا عن امل رؤية بقايا من جسد ابناءه او دال يدل عليهم وقد منعته دموعه عن ابصار ما حوله ....
(٣) زوجة اطفأ الحزن والسنون ريعان شبابها بحثا عن أثر لزوجها لتدل ابناءه عليه ..
(٤) شباب اخذهم الحب والحنان وحداهم الامل لمعرفة اخوتهم الاكبر منهم سنا وقد فارقوهم وهم صغار ..
صور كثيرة نحتاج لجهود كبيرة في جمعها لنرسم لوحة الجريمة ونذكر الانسانية بما ارتكب ضد هذه الشريحة المظلومة ..
فقد غطاها مرتكبوها وتستر عليها ابناءهم وساعدهم على ذلك الغفلة والنسيان من اهل الضحايا .....
ولو تصفحنا وجوه الاحياء من المهجرين لتكلمت لك عن ما جرى عليهم من ويلات ، ولو تأملت قليلا بأحاديثهم المليئة بالذكريات الحزينة لقرأت ان أذهانهم شاردة باحثة عن الاستقرار بعد رحلة العذابات والتشرد وعدم الاستقرار والمؤلم لهم هو الجفاء ممن كان يعول عليهم من الاصدقاء والوطن الذي تركهم وسار بمن بقي يسكن على ظهره ...
في يوم الشهيد الفيلي لا تجد الا ذكريات حزينه يحملها اصحابها .... في وسط التيه والنسيان
ولكن سيكتب الاحرار تأريخهم يوما ويعتصر الطيبون اذهانهم ليدونوا ما علق في اذهانهم عن تلك الجريمة وفاء للشهداء المظلومين ...
ويبقى كل ذلك مكتوب عند الخالق الكريم الذي لا يترك الجناة وينسى الضحايا ..
٢٠٢٠/٣/٣١.
جاسم الخيبري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق