سيرة الشهيد محمد حسين أحمد الوائلي 1982-1954م
النجل الكبير لعميد المنبر الحسيني الشيخ احمد الوائلي
تحقيق: وائل علي الطائي* #مؤسسة_الشيخ_الوائلي
اسمه ونسبه:
هو الأستاذ محمد حسين بن الشيخ أحمد بن الشيخ حسون بن سعيد بن حمود الليثي الوائلي الكناني العدناني، النجل الكبير للشيخ أحمد الوائلي، وهو ثاني شهداء أسرة الشيخ الوائلي من بعد ابن عمته الشهيد كاظم الوائلي.
والده:
هو الخطيب العراقي الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (1928 – 2003م) المعروف بعميد المنبر الحسيني.
والدته:
هي المغفور لها العلوية ام محمد حسين الطالقاني (1921 – 1996م) كريمة المرحوم السيد محمد حسين السيد عيسى الطالقاني، من عائلة السادة آل الطالقاني الحسينيين من أهالي مدينة النجف الأشرف
ولادته ونشأته:
ولد في مدينة النجف الأشرف في العام 1954 ، وفيها نشأ وترعرع. في منزل والده العامر في حي الحنانة، وهو النجل الثاني للشيخ الوائلي من بعد أخية الأكبر المرحوم الحاج سمير (1999 - 1954م) والمرحوم الحاج علي (2019 - 1963م) والحاج محمد حسن. وله (8) أخوات.
عُرف الفقيد بطيبة القلب والسماحة والفصاحة والوسامة وحبه للخير وفعله، وللعلم ونهجه، وتصديه لمسؤولية رعاية إخوته وأخواته وبرّه بوالدته، وكان ذراعاً طولى لوالده مذ كان في الـ (17) من العمر والذي لكثرما كان يخلفه في بيته راعياً لأهله في المواسم التي يرحل فيها الشيخ الوائلي الى مجالس الخطابة في البلدان العربية والاوروبية ناشراً لعلوم أهل البيت (ع) .
تنقل في سُكناه ما بين منزل والده في النجف ، وما بين العاصمة بغداد في منزل والده في مدينة الكاظمية و في منزل شقيقته الكُبرى صاحبة الكرامة الكاظمية المرحومة الحاجة أم حسين الوائلي (2015 - 1949م) في حي أور.
دراسته:
استحصل الدراسة الابتدائية من مدرستي الوحدة العربية والثورة العربية ، ثم أتم الدراسة المتوسطة في مدرسة الكندي ، ومن ثم أتم الدراسة الاعدادية بتميزٍ في الفرع الأدبي من ثانوية النجف الأشرف.
وقد حباه الله بثلةٍ طيبةٍ من المعارف هم من طليعة المجتمع النجفي الثقافي والديني، وجدير بالذكر انه من أقرانه في تلك الفترة كل من: خالد الشيخ عمار سميسم، د. باقر الشيخ جعفر الكرباسي، عبدالأمير السيد صالح البكاء، فؤاد الشيخ محمد حسين المحتصر، زيد السيد علي البكاء، الخطيب الشيخ صادق جعفر الهلالي، علي عبد الحسين العاتي، علي المطبعي، وغيرهم ..
من بعد ذلك توجه صوب العاصمة بغداد ليكمل دراسته الجامعية فيها، فقصد الجامعة الام في العراق جامعة بغداد (التي تعود عراقتها ولبناتها الأولى إلى سنة 1908) فدرس في كلية الإدارة والاقتصاد حاصلاً على شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال في العام 1978.
ثم لم يكتفِ بالدراسات الأولية، فشد العزم خاطياً خطو أبيه الخطيب مُقرراً إستكمال دراسته الأكاديمية، ليتم قبوله في الدراسات العليا في نفس كليته، فحصل منها على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال، عن رسالته الموسومة ( أنماط السلوك القيادي لمجموعة من القادة الاداريين في مؤسسات ومنشآت العراق - دراسة نظرية وتطبيقية ) طُبعت ونُشرت في مجلة كلية الإدارة والاقتصاد عام 1982 كرسالة، وستعكف مؤسسة الشيخ الوائلي على نشرها ككتابٍ في القريب العاجل بإذنه تعالى.
توجه للتدريس الجامعي فاتخذ من كليته ببغداد منبراً للتدريس، وتعدّاها إلى المعهد الفني في النجف الأشرف. ولم يتوقف طموحه إلى هذا الحد فاراد ان يستكمل مسيرة البحث العلمي بالحصول على شهادة الدكتوراه متأسياً بنهج أبيه الشيخ الخطيب ومُطبقاً لما كان يُبديه الشيخ الوائلي من نُصحٍ إلى شباب المجتمع بالسعي الحثيث للتقدم العلمي وأخذ الشهادات العُليا في التخصصات العلمية لمختلف مناحي الحياة.
أيام حكم الرعب :
ولما شهد مطلع الثمانييات اشتداداً لسطوة سلطة البعث؛ تكثفت حملات التضييق والاعتقالات بحق العلماء والمثقفين والمُفكرين المُناهضين لحكم السلطة
إبتدأ بطشهم بالإقدام على اعتقال ابن عمة الفقيد محمد حسين؛ الأستاذ التربوي الشهيد كاظم الوائلي (1949 – 1980م) المعروف بتصديه للظلم والاضطهاد الذي شهدته تلك الفترة من خلال حملات التوعية التي كان يقودها مع ثلةٍ من الشباب الجامعي الواعي، والذي أقدم جلاوزة البعث على جريمة اعدامه بذريعة مناهضة السلطة الحاكمة ومعاداة مسيرة الحزب والثورة!
ثم قامت السلطة باضطهادها لأبيه عميد المنبر الحسيني ولمشروعه الاصلاحي للمنبر التوجيهي والخطابة المجتمعية بتكليفٍ وإرشادٍ مباشرٍ من أستاذه الشهيد المفكر آية الله السيد محمد باقر الصدر (1935 – 1980م) ، متسببةً في خروجه من العراق بَراً عَبر الكويت وتوجهه إلى بلاد الغُربة. مما جعل حياة فقيدنا محمد حسين على المحكّ في جوٍ من الرُعب والتضييق والتهديد الدائم ..
اعتقاله :
ما هي إلا أشهر من مسيرة التدريس والطموح، إلا وقامت حكومة البعث باعتقاله في ليلة جرح أمير المؤمنين (ع) في 19 من شهر رمضان من عام 1982م بتهمة جاهزة ألا وهي تقرّبه من الجماعات الاسلامية فضلاً عن اتهامه بالإنتساب إلى عائلةٍ ذات سلوكٍ ديني معروف بالمناهضة لحكم السلطة ، ناهيك عن سبب انتسابه المتمثل بكونه النجل الكبير للمجرم الهارب أحمد الوائلي – على حد تعبير وثائق الأمن العام في حينها - في أيامٍ كانت فيه مجرد الصلاة والتعبد والتدين هي شبهةٌ دينيةٌ تستدعي من نظام البعث اعتقال مؤديها ، وكذلك إطلاق شعر لحية الذقن أو اقتناء كتاب أدعية وزيارات او التردد على الأضرحة او المكتبات الدينية .. فكيف بالطامة الكبرى بالفقيد محمد حسين بن الشيخ أحمد الوائلي !!
ولم يُعلَم بمصيره المجهول منذ ذلك الحين، مع المحاولات العديدة لعائلته بالاستفسار والتقصي لمعرفة ذلك المصير أو على الأقل العلم المبدأي ببقائه على قيد الحياة من عدمه !
وظل هذا الحال طيلة 21 عام، عانت منه عائلة الشيخ الأمرين، ووُسموا في سجلات الحكومة بأنهم ليسوا ممّن لهم حُسن سيرة وسلوك ولهم نشاطٌ مناهضٌ لحكومة الحزب والثورة وينتمي لأسرتهم فردٌ معدومٌ وآخرٌ هارب ٌ وثالثٌ معتقلٌ لأغراضٍ سياسيةٍ مُعاديةٍ للوطن
فما حال مَن تكون أيام معيشتهم بهذا الوضع سواءٌ الأخوة أم الأخوات، أو الأم التي مافارقت لبس السواد حزناً على غيابه مذ أعتقل ، حتى فارقت الحياة بموتها في حسرتها على تغييب ولدها بعد 15 عام من اعتقاله !
ومن بعد اعتقاله (رحمه الله) في 19 من شهر رمضان 1402هـ الموافق للـ 10 تموز 1982 تمت ملاحقه أخيه الأكبر المرحوم سمير في محاولة لاعتقاله مُتذرعين بضلوعه مع جمعٍ من الشباب النجفي بعملية اغتيال مدير أمن في النجف في وقتها هو المجرم نعمان شربة ، في حملة اعتقالات طالت شبيبة عوائل النجف العلمية ونجبائها ووجهائها ، فتسبب هذا الاضطهاد في هروبه وسفره إلى خارج البلاد خوفاً من بطش جلاوزة البعث به وبأسرته ، لائذاً إلى بلدان الغربة ؛ حتى أصابه المرض العُضال الذي انهى حياته مغترباً مظلوماً مدفوناً خارج تربة وطنه في مقبرة "الغرباء"! بدمشق عام 1999.
إعدامه :
أقدمت سلطات البعث الكافرة على جريمتها النكراء بإعدام الشهيد محمد حسين شنقاً في العام 1983، وبحسب كتاب رئاسة محكمة الثورة السري للغاية والشخصي ذي العدد 118 بتأريخ 15/1/1983 وبالفقرة (2) من جدول أعمال المحكمة وفقاً لإحالة كتاب محكمة النجف للقضية المرقّمة 71/1982 الخاص بالدعوى المرقمة 1801/ج/82 والتي نصّت على : " الحكم على المتهم (محمد حسين أحمد) بالإعدام شنقاً حتى الموت ومصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة وفقاً للمادة 156 / 49 و50 و53 من قانون العقوبات " !
كما و جـيء بذكره ضمن أكثر من تحقيقٍ وأمر إعدام كان قد عُثر عليها في الوثائق التي توفرت لدى مؤسستي السجناء السياسين والشهداء العراقيتين بعد العام 2003، كقرار مؤسسة الشهداء المرقم 1350\5 – 1983 الذي صادق على كون الفقيد محمد حسين وابن عمته الشهيد كاظم من شهداء بلدهم العراق ..
و ما يُزيد الظلامة فَجعاً هو كون عائلة الشيخ الوائلي لم تعلم بخبر إعدام ولدها إلا بعد العام 2003 ، وقد أخفت السلطات في وقتها مصيره عن أسماع الشيخ وعوائله، ولم يُعثر له على جسد ليُوارى الثرى وليس له قبرٌ يُزار إلى يومنا هذا ..
الضغط على والده :
كما تُبين أسرة الشيخ الوائلي أن سلطة البعث استخدمت موضوع إخفاء مصير الفقيد محمد حسين عن أسماع والده الوائلي في محاولاتٍ معدودةٍ مع الشيخ الوائلي من خلال إرسال رسائل مباشرة إليه عن طريق سفير العراق في دمشق بعد العام ١٩٩٦ ب كون مصير ولدك الكبير بأيدينا ! فحبذا لو تستجيب لدعوات تمثيلنا رسمياً في مؤتمرات لتبييض وجه السلطة أمام الرأي العام العالمي ، إلا أنّ جواب الشيخ الوائلي كان الرفض الدائم والتعذر بالمرض ، لكنهم كانوا يُعاودون التلويح له بمصير ولدِه مُهددين إياه بعبارة: أنّ لكَ عندنا أمانة ! ألا تُريدُها سالمة ؟ فكان جواب الشيخ الوائلي: أمانتي .. حالها من حال باقي أمانات العراقيين ، وحسبنا الله ونعم الوكيل !!
وجدانيات الأب والابن :
ويجدر بالذكر في هذه الترجمة أن نُبين عن الفقيد أنه قد أحبه أبوه حباً جمّاً ، وهو الذي كان يعتمد عليه مستعيناً به في حياته التي قضاها الشيخ في العراق قبيل سفره واغترابه عنه، وبقيت جذوة هذا الحب مُتقدة لنجله عن بُعد ..
فنجد الوائلي الأب يبعث له من دار غربته بدمشق، مشاعر لهبـى يُجسدها في قصيدةٍ هي من أروع قصائد الشعر الوجداني التي كتبها الشيخ الوائلي إذ تجلى ذلك في تسميتها ( الطيف العاتب ) والتي أوردها في ديوان شعره الأول المطبوع في دار أهل البيت - ببيروت . لبنان عام 1980، والتي يقول فيها :
توطـن عيني والنجوم غواربُ
لعينيك طيفٌ مرَّ بي وهو عاتبُ
يُعاتبـني أني نسـيتك مُدة
وقـصّرت عمّا يقتضـيه التحاببُ
فانك نورٌ في عُيوني ونابضٌ
بقلبي وحبٌ في كياني ضاربُ
بني (حُسينُ) استأسد الشوقُ والهوى
على البعد فرضٌ في المضاجع ضاربُ
ولكنّه ينزو و يهـدأ تارةً
وبالقلب من شوقي لرُؤياك دائبُ
فانكَ إن أزرى بي الدهـرُ والعِدى
واخوتك الزغبُ الصغار الحبائبُ
بُني وإن طالت بجسمكَ قامةٌ
أعوّذها بالله واخضر شاربُ
بُني تقاضاني الهوى بعض ماله
فرحتُ وبي مما تقاضى متاعبُ
فجسمي بأرض الشام والرّوح عندكم
وقلبي إلى واديكم يتــوائبُ
ولم يكتفٍ بمخاطبة ولده عن هذه المشاعر ، ليتوجه إلى شريكته في هذا المصاب بقصيدته التي عنوانها ( إلى أم محمد ) ليحاول التخفيف عنها لوعة ألم الفراق ، قائلاً :
ذَريني فما يُجدي المَلامُ ذَريني
وخَلي سُهادي في الوسادِ قَريني
كلانا مُقيمُ القلبِ عند (مُحمدٍ)
وان دونك السّجانُ حالَ ودوني
حَملنا المُنى من كُل أمٍ و والدٍ
لكل مقيمٍ بالسجونِ قَطينِ
سَلافَ الحَزانى الحُزن (ام محمدٍ)
أجل فدعيني للشجونِ دعيني
وما جَمعَ الزّوجينِ كابنٍ مُهذّبٍ
وشدّهما من ألفةٍ بمَكين
وعودي لباب الله (أم محمدٍ)
فما مثل باب الله بابُ ضمين
ثم عزّز هاتين القصدتين بثالثةٍ وهي قصيدة ( رسالة الى سجين ) ليعبر عن لوعة اشتياقه لفلذة كبده النائي عن باصريه، ليُسطر لنا صوراً من الشعر الاجتماعي الحزين وهو يلوك لوعات الإحساس بالذي سُجنَ له ولدٌ ، مخاطباً إياه أن اخرج من السجن فقد يُفرحك أني قد هيأت لك عروساً كباقي الشباب ، ليقول :
خفّف الله عنكِ يا أعصابي
ولو ان الأعباء فوق النصابِ
ولدي طوح الأسى بسروه
فأنا لوعةٌ وفرطُ اكتئابِ
أيها السجنُ هل علمتَ بمَن
فيكَ من القابعينَ في سردابِ
أخذوه وخلفه قلبُ أمٍ
مِثلَ خفق الجناحِ في الاضطرابِ
وأبٌ يصرخ الذهولَ بعينيهِ
ويشتدُ فاقداً للصوابِ
ما لديهم إلا سؤالٌ : لماذا
أودعوا السجنَ دونما أسبابِ
الخاتمة :
هكذا عاش صاحب الـ (27) ربيعاً رهين سجنين؛ سجن الحياة القلقة جرّاء فُراق الوالد المغترب، وسجن الطغاة الظالمين والذي أمسى نهايةً لحياة عاشها بظروفٍ عصيبة مرت بالعراق في سبيعينات وثمانينيات القرن المنصرم، فشهد أياماً من التضييق والمحاربة كسائر أفراد عائلة الشيخ الوائلي
ولم يهنأ بزواجٍ لكي نُكنّيه ، إنما نقول له : رحمك الله "أبو جاسم" من سجينٍ تجرع مُر ّحياةٍ لم يحيـها إلا كبيراً مُخلداً مُنتسباً إلى الوائلي الكبير ، فارفل بعزٍ وهناءٍ شهيداً في جنات النعيم، ليجمع الله شملك بامك وأبيك مع الأبرار والصّديقين ، إنه المنّان ذو الفضل الكريم ، والحمد لله رب العالمين
حُررت في 19 رمضان 1441 هـ
*وائل علي الطائي / اعلامي وكاتب تحقيقات عراقي
• مقال موجز من تحقيق مصور لمقابلة مع عائلة الشهيد أجريت في بغداد والنجف الأشرف عام 2003.
• المصادر :
- وثائق وزارة المالية العراقية. الدائرة القانونية. قسم مصادرة الأموال. للعام 1983.
- وثائق مؤسسة الشهداء العراقية.
– وثائق مؤسسة السجناء السياييين العراقية
- أوراق ومذكرات الدعوة الاسلامية.
- تحقيقات ولقاءات أسرة الشهيد.
الموقع الرسمي للشيخ الوائلي www.al-waely.net
الحساب الرسمي لمؤسسة أسرة الشيخ الوائلي. العراق
فيسبوك 👈 مؤسسة الشيخ الوائلي Al-Waely Foundation
#الوائلي #الشيخ_الوائلي #نجله #ابنه
#الشهيد #محمد_حسين #المعدوم #رمضان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق